رحلة القراء في اردننا المعطاء

 

من الشمال إلىالجنوب............... تسير بنا الابصار الىالشمال من الاردن حيث مدينه اربد التي بسطت الارض راحة يدها فيها وقد ازدانت  بوشاحها الاخضر ، يجلبك النظر الى بعض محاسنها عندما ينهد من تحت ثوبها ذاك بعض مفاتن جسدها المترف ذو اللون الاحمر , هو ترابها الذي امتزج به عبق التاريخ .
ترى تحت اشجارها رجلا قد انهكه التعب وهو يعالج الارض بمعوله ، يخاطبها بهذه الاداه طالبا منها العطاء فتعطيه ما سأل .
وتهب نسائم حورانيه تحملك الى الجنوب منها حيث عجلون, وقد ضفرت جبالها ضفائرا من اشجار السرو والصنوبرواكتست حلة من الاشجار البرية ، وهنالك على ذلك الجبل الأشم , يستوقفك هول ذلك المنظر حيث ترقد تلك القلعة على سنام ذلك الجبل في هودج قد برزت ابراجه الست محدقة ابصارها نحو السماء والى الشرق منها نتستعد للدخول الى حضارة تلك المدينة , من تحت قبعة قوس النصر وعن اليمين وعن الشمال عامودان منتصبان كحاجبين واقفين على ابواب الملوك , وقد توسطن  زحاما كبيرامن الاعمدة ، التي بانت كأهل مدينة هرعوا الى الاستقبال ، وقد اختفى بعضهم وراء بعض من الكثرة , وصولا بنا الى مجلس القوم حيث ساحة الندوة وقد التف حول مجالس اكابرهامن الاعمدة حراس ذوي قبعات مكرنشة , يستوقفك السكوت امام كل هذا ويستدعيك النظرفنحن سكوت والهوى يتكلم .
ومن الخضرة الى نَصل إلى البادية الاردنية , الى مدينة المفرق , حيث جلست تلك العجوز التي تراءى في وجهها طيات من كثبان وادي رم الخلابة , وعلت سحنة وجهها انفة البتراء الوردية , وقد امالت غليونها , وكأن دخانه المتصاعد سراب وعيناها واحتان قد بدتا من وراءه , وقد انتصبت الى اليمين منها دلة سكوب ذات رائحة طيوب , اذا هصر الفنجان فودها تمايلت ولم تمنعهن جناها الطيب .

مرورا بالزرقاء حيثي جلبنا الهوى من حيث ندري ولا ندري , ويستهوينا ذلك الخال الاسود في محيا تلك الصحراء حيث قلعة الازرق , وقد اسمرت حجارتها خجلا من اشعة الشمس التي لا تغادرانظارها هذه القلعة ، ولم تمنعها جدابة الصحراء من ان تكتنز بعض الاساور المنمقة بالاشجار حول واحتها , التي ترقرق الماء في احداقها , وقد اسدلت بعض النباتاتاوراقها المنسابة لتصافح ماءها , كحسناء قد ارسلت شعرها لتداعبه نسيم الصبا.
ها وقد ادبر اليوم يأخذنا  النظر الى عمان التي تأخذ اضوائها بمجامع القلوب , وقد بدا الليل من فوقهاوكأنه كله اقمارٌ, نستودع انظارنا تلك الراية التي خفقت وقد لعب بها الهواء كما لعبت ريح الهوا بالقبس , حيث ترى ذلك الهرم الاحمر فيها رداءٌ امتزجت فيه العزةوالكبرياء قد القي على اكتاف هذا الوطن , وتوسطته نجمة تحسبها الزهرة او الثريا , في كل رأس منها ايه من ايات الله الكبرى ، وقد خرجت من تحته ثلاثة الوان تماوجت فياوسطها زهرة الحياة الدنيا الا وهي السلام ومن فوقها عُقاب فيه عِقابُ كل من يريدبسلام هذه الدولة شرا ، واسفل منها ثوب سندسي فيه سر العطاء والرجاء .
عمان مدينة حمل عرشها سبعة من التلال الناهدة , سيدة توجها التاريخ بم لم تتوج به زنوبيا ولاكليوبترا.

بين اشجار السرو التيالتي احاطت بتلك المدينة وبين بيوتها التي تطاول بعضها على بعض , في البلقاء حيثمدينة السلط التي توهج النور من مدرستها العريقة , والتي نطقت بيوتها بما فيها منالرقي الحضاري ، نافت جبالها واشرفت على جوارها , غردت اطيارها من شدت الطرب . وحيث تتساقط المياه منبطون الجبال في حمامات ماعين في مادبا, وتتراكم ابخرة المياه حولها كبمبخرة كاهن , وبين ابداعات حضارات غابرة في جبل نيبو حيث يتلعثم الناظر امام فسيفساءها وقد نسجتمن احجار ملونه , ونقشت عليها امجاد امم , ما بين صور حيوانات وزهور ونساء , تجسيدخلاب لما مضى وايحاء باذن الحاضر بلسان الماضي .

والى الجنوب حيث الكركارض المعترك ، في سهل مؤته حيث التقى جيش المسلمين بجيوش الروم , الذي صبغ ترابه بدماء المسلمين الاطهار , وهناك حيث قلعة الكرك وقد ظهرت كسنان الرمح , وكانها تتحدى من يريد النيل منها , فالنازل منها كأنه جلمود صخر حطه السيل من علِ.

وتوجس صوت خرير المياهفي ضانا في مدينة الطفيلة , تستطلع امر هذا الصوت فتجدها عين ماء قد التفت بمطرفهاخلف احدى الهضاب خجلا من الماره , وترى العصافير قد ادنت ارجلها في مجرى الماءوكانها تريد الاغتسال او الابتراد , تزقق بين كفوف الاشجار , وقد احاطت بنا سلسلةمن الجبال ونحن نسير فينحرها.
وقد شددنا الرحال نحومعان ، حيث قلب الصحراء الاردنية , متجهين صوب مدينة الانباط , حيث البتراء ,
مشينا في طريق وعر بعضالشي تستقبلنا طريق ذات فج عميق تحيطنا الجبال , وقد ارتسمت على جوانب هذا الطريقعلى صفحات الجبال التماثيل القديم , فهذا رجل وهذا جمل بارك , وتجري قنوات منالمياه على جوانب الطريق , ترى الطريق مسدودة امامك ولكن سرعان ما تجد هنالك منعطفااما على اليمين او اليسار ,
كهوف في سفوحالجبال يظن السارب فيها انه يغوص في بطون الجبال , الى ان وصلنا ذاك الممر الضيق , وقد شعرنا اننا بين حقبتان مختلفتان من الزمن , حيث تنظر الينا البتراء بلحظ عينيها من وراء ذلك النقاب, تدخل ذلك الممر وتجد انك امام عظمة البناء ترى تلك الاعمدة الباسقة وتلك النسور المنحوتة وقد حطت فوق تلك الاعمدة , وتلك التماثيل ذات الاجنحة اسفل تيجانها .

ونحط الرحال صباحا علىشواطئ العقبة ، حيث تبرز الشمس من خدرها وضاحة الجبين وقد ارتسمت بسمتها الناعسةعلى امواج منسابة بهدوء وقد تطاولت حتى وصلت الشاطئ وكانها طريق من الذهب وما حولهالجين من الفضة , و قد صفقت النوارس باجنحتها لتلك السمفونية التي عزفتها الامواج عند اشتداد حركتها ,
فانسجم صوت النوارس معهدير الامواج , وتقافزت بعض الاسماك على مسرح من الماء مؤدية رقصات جميلة . فهذي بلادي كلها منالشمال الى الجنوب , مواطن جمال وحواضر مجد , و تألق ماضي وعزة حاضر , وابوابمستقبل , و امجاد عريقة وامم عتيقة, ولا يسعنا سواترديد ما قاله الاردني في وطنه :


ايا اردنيات ان اوديت مغتربا                فانسجنها بأبي أنتن اكفاني
وقل للصحب وارو بعض اعظمه         في تل اربد او في سفح شيحان
عسى وعل به يوم مكحلة                      تمر تتلوا عليه حزب قران
    .