المقالات الرمزية للإمام عبد القادر الجيلاني : (دراسة موضوعية فنية)

اتّخذتِ الكتاباتُ الصّوفيّة في العصر العبّاسيّ أشكالا تعبيريّة مختلفة، منها المقالات الرّمْزيّة للجِيْلانيّ، التي مثلت نمطا من أنماط النّثر الصّوفيّ الأدبيّ الرّمْزي، عبّر الجِيْلانيّ فيها عن كثير من معتقداته وأفكاره ومعارفه الذَوْقيّة الصّوفيّة، وأصّل من خلالها لمفاهيمَ شاعت عند أهل التّصوّف في عصره والعصور السّابقة له. جاءت هذه الدراسة لتسهمَ في الكشف عن الإرْث الأدبيّ الصّوفيّ النّثريّ للجِيْلانيّ، ممثلا في مقالاته الرّمْزيّة، التي انمازت عن غيرها بأمرين اثنين، الأول: المظهر التّعبيري الخاص به. والثاني: المحتوى الصّوفيّ الإرشاديّ والمعرفيّ والشّارح. وقد حاولت الدراسة استيفاء الحديث عن موضوعات المقالات الرّمْزيّة، وتبيان العديد من المفاهيم الصّوفيّة التي احتوتها، مثل القُطْب والغَوْث والوِصال، ومعنى الذكر والإيمان حسب الرّؤيّة الجِيْلانيّة الصّوفيّة، وبينت شيئا عن علاقة العبد بربّه من خلال المعين القرآني، وسواها من موضوعات. وسعت الدراسة الفنيّة لهذه المقالات إلى الكشف عن الغوامض التي ولّدتها اللُّغة الرّمْزيّة المُكثّفة، والتي وظّفها الجِيْلانيّ في التّعبير عن أسرار الطّريق وأحواله ومشاهداته الرّوحيّة، وحاولت تجليّة المعاني المضمرة والأبعاد الدّلاليّة التي استترت وراء أساليب البيان والبديع على تنوعها. وقد خلصت الدراسة إلى أنّ المقالات الرّمْزيّة تشكلّ نمطا من أنماط التّعبير الصّوفيّ الفريد، راوح فيه الجِيْلانيّ بين الوضوح والغموض من حيث التّعبير عن المعاني الصّوفيّة، فهو في سياق الإرشاد والدعوة يميل إلى الشّرح وتيسير المعاني الصّوفيّة وتقريبها من المتلقين، وفي سياق الحديث عن المعارف الإلهيّة يميل إلى شيء من الغموض والإشارة والرّمْز؛ لأنّ الخطاب فيها مُوجَّه إلى من هم في مقامات أعلى من مقامات المريدين. وخلصت ?أيضا- إلى أنّ عنصر الشّعريّة في المقالات تولَّد عن طريق استعمال اللُّغة المُكثّفة وذات الإيحاءات الرّمْزيّة، واستدخال المصطلحات الصّوفيّة، وتوظيف الآيات القرآنيّة توظيفا مبتكرا، وابتداع أساليبَ تصويريّة جديدة من خلال المجازاتِ والاستعارات والتّشبيهات، وتشكيلِ إيقاعاتٍ موسيقيّة عبر خصوصيات النّظم في التّراكيب، وعبر توظيف أنواع المحسنات البديعيّة اللفظيّة والمعنويّة.