النزعة الوجودية في شعر الأعشى

هذه دراسة في شعر الأعشى من زاوية جديدة، قائمة على وضع ديوان الأعشى في ميزان الفلسفة الوجوديّة، فجاء العنوان: (النّزعة الوجوديّة في شعر الأعشى)، ونحن هنا نتحدّث عن الشّعر والشّاعر، وليس بالضرورة عن الأعشى الإنسان، مع اعترافنا بتداخلهما معًا، وأنَّ الإنسان ملوّث ببيئته، والشعر مرآة الواقع، لكنَّ الشّاعر ليس على حالٍ واحدة في قصائده كلّها، وقد يتبنّى اليوم أمرًا ويعزف عنه غدًا، وهذا أمر بدهي في الشّاعر الذي يمتاز بمسيرة شعريّة طويلة. والباحثة تناولت المسألة من زاوية تأويليّة، ففرعت الدّراسة إلى فصول أربعة: الفصل الأول: المظاهر الوجوديّة في شعر الأعشى، وفيه أيضًا مبحثان: الحياة والموت، وحتميّة المصير، أمَّا الفصل الثاني فجاء بعنوان: الملامح والإشارات الدّينيّة في شعر الأعشى، وجاء على ثلاثة مباحث: الخير والشر، والحساب والعذاب، والدنيا والآخرة. وحمل الفصل الثالث عنوان: القلق الوجوديّ في رحلات الأعشى، وتناولت الباحثة في هذا الفصل رحلات الأعشى إلى أطراف الجزيرة العربيّة، بقصد التّكسّب، والبحث عن اللذّة، وما رافق ذلك من أشعار المديح التي كانت وسيلته لنيل الأعطيات، وجاء في أربعة مباحث: الرّحلة إلى القدس والغساسنة، والرّحلة إلى بلاد فارس وعمّالها العرب، والرّحلة إلى اليمن، والرّحلة إلى الحجاز. أما الفصل الرّابع فأفردته الباحثة للوقوف عند تحليل نماذج مختارة من شعر الأعشى، وقد آثرت الباحثة أن تكون هذه النّماذج منتقاة على أساس النّظر التّأويلي الوجودي، والوقوف عند أهمّ المقاطع المحوريّة المتكرّرة في شعر الأعشى، فجاء انتقاء مشهد المحبوبة، والعلاقة معها، للتّعبير عن علاقة التّوتر والتّحسر والفقدان والحرمان، ومشهد المرأة ووصوفها لتوضيح مفهوم الجسد من زاوية تأويليّة، أو كما جعله الأعشى نوعًا من أنواع ممارسة الحريّة المطلقة التي سعى إليها في ترحاله، وغرقه في الملذّات. وكان قد تقدّم الدّراسة مقدّمة تعريفيّة، وخاتمة فيها أهمّ النّتائج التي توصّلت إليها الباحثة، في أنَّ التّفكير الوجودي لم يكن حاضرًا كلّه في ذهن الأعشى، ولم يكن غائبًا كلّه أيضًا، بل ثمّة قلق وجوديّ لدى الشّاعر، ولديه نزعة إلى الحريّة المطلقة والتفلّت من التّدجين، والرّغبة في اكتشاف العالم والتّعرّف على الآخر.