سليمان الموسى مؤرخا : 1919-2008

تتناول هذه الدراسة الموسومة بـ " سليمان الموسى مؤرِّخاً" (1919 - 2008م)، جوانبَ من حياته ومؤلفاته، ومصادره، ودوره في الكتابة التاريخية، وهو موضوع لم يَنَل ما يستحقُّه من عناية، رغم جهوده التي تظهر جلياً في كتبه، ولا سيما حديثه عن تاريخ الأردن منذ تأسيس الإمارة، وحتى تاريخ وفاته. وقد كان لنشأة الموسى في قرية الرفيد مَسقط رأسِه دورٌ في إبداعه المبكّر؛ فقد ورث عن والده مكتبةً متنوعةً، جعلته مُحباً للمطالعة والمعرفة، كما كان لتعلُّمه في كُتّاب القرية، ودراسته في مدرسة الطوائف، ومدرسة الحصن الحكومية، واشتغاله معلِّماً في قريته، كل ذلك كان له أثرهُ الجليُّ في بناء شخصيته وصقلها، مما أدى إلى نجاحه، حتى في عمله في التجارة. كما كان لتنقله بين حيفا ويافا، واطلاعه المبكر على العديد من كتابات المفكرين والمؤرخين أمثال: ساطع الحصري، وقدري قلعجي، وخير الدين الزركلي، وغيرهم، أثره الواضح كذلك. هذا بالإضافة إلى تأثره بما كُتب عن الثورة العربية والتاريخ المحلي لشرقي الأردن، وبخاصة ما كتبه الغربيون، وما كُتب في الصحف والمجلات. وقد أثر ذلك كله في ملامح شخصيته التاريخية، كما يظهر ذلك واضحاً من خلال إنتاجه العلميّ المتمثل في كتاباته من المقالات والقصص ضمن مجلات عدة؛ أبرزها: الفجر، والأديب البيروتية، والرائد العربي في حماه، وجريدة الدفاع في القدس. وكان الموسى قد عمل في شركة بترول العراق في المفرق قرابة خمسة عشر عاماً، وأتقن اللغة الإنجليزية، ثم حصل على شهادتي المترك والدبلوم من بريطانيا، والتقى بالعديد من الشخصيات السياسية محلياً وعربياً وعالمياً، وانتقل للعمل في الإذاعة الأردنية، ثم في دائرة المطبوعات والنشر، فكان ذلك كله رافداً في تكوين شخصيته العلمية، وسبباً قوياً في نبوغه ونضوج وعيه التاريخي المبكر. ويظهر لنا في هذه الدراسة كيف بذل الموسى جهده في كتابة التاريخ، لأنه كان يرى أن التاريخ يُمثِّل قصة الحياة والناس، فبدأ يكتب عن عدد من الشخصيات ذات الأثر الاجتماعي، والوطني، والأدبي، وكان يُردِّد: أنا أعمل وأكتب، إذاً أنا موجود، ولإيمانه بمقولة أرسطو: "على المؤرخ أن يكون قاضياً لا محامياً"كان في عرضه للوقائع والمعلومات الوثائقية ذا شخصية متميزة، وعقلية متوازنة، ولطالما عاب على المؤرِّخين تطويعَهم التاريخَ لخدمة مَقاصِدهم السياسية والدعائية والعقائدية، فكان بحقٍّ أهلاً لأن يكون في مرتبة المتقدّمين من المؤرخين الأردنيين الأفذاذ، وقد اعتَنى الباحثون والأكاديميون بأعماله وكتاباته التاريخية، فكان لأعماله تلك أثر واضحٌ في الدراسات والبحوث التاريخية، ولا سيما ما يتعلق منها بتاريخ الأردن، حتى إن بعض أعماله قد تُرجم إلى اللغات الأخرى.