تعيُّن الفرض الكفائي : دراسة تأصيلية تطبيقية مقارنة

قرر العلماء أن الفروض الكفائية تتعلق بالمصالح العامة للأمة الإسلامية، لكن هذا المفهوم المهم لا يزال محتاجا إلى البحث في كثير من مسائله؛ ولعل أهم إشكاليتين فيه هما: الأولى: قصور فهمه لدى طلبة العلم الشرعي قبل غيرهم من عموم الناس؛ حيث يعتقد أغلب المسلمين أنه محصور في صلاة الجنازة وما يشبهها. والثانية: عدم وضوح حدود مسؤولية الفرد المسلم عن تلك الفروض؛ مع أن العلماء حددوا بعض معالم تلك المسؤولية في بحثهم لتعين الفرض الكفائي . وقد أدى وجود الإشكالين المذكورين إلى تضييع كثير من الناس لتلك الفروض؛ مع أن العلماء متفقون على أن الجميع يأثمون عند تضييعها. ونظرا لخطورة هذا الموضوع وأهميته فقد حاولت الإسهام في حل تلك الإشكاليتين من خلال الإجابة عن هذا السؤال: ما حقيقة تعين الفرض الكفائي؟ وما أسباب التعين وآثاره؟ وللإجابة عن ذلك السؤال تطرقت إلى حقيقة الفرض الكفائي وأحكامه وتطبيقاته، وكذا إلى حقيقة الفرض العيني وعلاقته بالفرض الكفائي لبيان حقيقة تعين الفرض الكفائي، ثم بحثت أسباب تعين الفرض الكفائي وآثاره عند جمهور العلماء وعند الشاطبي. وتوصلت إلى نتائج أهمها: 1. الفرض الكفائي في الاصطلاح الأصولي هو: ما يقصد جزما حصوله من غير نظر بالذات إلى فاعله، والفرض العيني هو: ما طلب الشارع فعله جزما من كل مكلف بنفسه. أما حقيقة تعين الفرض الكفائي فهي: توجه الخطاب الشرعي إلى فرد معين أو جماعة معينة بعدما كان متوجها لعموم المكلفين بسبب عدم تحقق الكفاية في أداء ذلك الخطاب. 2. إن السبب الإجمالي لتعين الفرض الكفائي هو عدم تحقيق الكفاية فيه؛ أما الأسباب التفصيلية فقد حددها جمهور العلماء في خمسة أسباب هي: أولا: أن يظن المكلف أن غيره لم يقم بالفرض الكفائي. ثانيا: أن ينحصر الوجوب في شخص واحد أو جماعة. ثالثا: أن يُطلب من شخص معين أداء الفرض الكفائي؛ مع خلاف بين العلماء في هذا السبب. رابعا: أن يشرع المكلف فيه؛ وهذا السبب محل خلاف كذلك. خامسا: أن يقصر من تعين عليه الفرض الكفائي أو لا يحقق الكفاية فيه فيتعين على الأقرب فالأقرب. على أن العلماء لديهم آراء مختلفة في السببن الثالث والرابع. أما آثار التعين عند جمهور العلماء فهي: أولا: الإجبار على أداء الفرض الكفائي المتعين. ثانيا: الضمان على تضييعه أو التقصير فيه ثالثا: الحاجة إلى إذن من له حق الإذن رابعا: أخذ الأجرة أو الرزق أو الجعل عليه على أن تلك الآثار كلها محل خلاف بين الفقهاء. 3. أسباب تعين الفرض الكفائي ?حسب ما فهمته من كلام الشاطبي- ثلاثة هي: القدرات والميول والسمات الشخصية؛ فإذا وجد فرض كفائي لم تتحقق الكفاية فيه ووجدت في مكلف القدرات والميول والسمات الشخصية المناسبة لذلك الفرض تعين عليه. أما آثار التعين ?حسب ما فهمته واستنتجته من كلام الشاطبي- فيمكن حصرها في: تسهيل إدارة الفروض الكفائية؛ وزيادة الفاعلية في آثارها. 4. الاختلاف بين رأي الجمهور ورأي الشاطبي في أسباب التعين وآثاره هو اختلاف في طريقة تناول المسألة والنظر إليها؛ حيث إن الجمهور نظروا إلى المسألة نظرة جزئية فذكروا أسبابا ظرفية وآثارا فقهية فقط لتعين الفرض الكفائي؛ أما الشاطبي فنظر إلى المسألة نظرة كلية؛ فذكر أسبابا عامة لتعين الفرض الكفائي؛ وآثارا عملية واقعية؛ ومن هنا فالاختلاف اختلاف تكامل؛ إذ كل من النظرتين تسهم في بيان أسباب التعين وآثاره؛ وتسهل في معرفة أحكامه وتفعيله في أرض الواقع. وقد أوصت الدراسة بما يلي: أولا: توجيه الجهود العلمية نحو التعمق في بحث الفروض الكفائية فلا تزال هناك إشكاليات علمية تحتاج إلى البحث والدراسة. ثانيا: بث الوعي بأهمية فروض الكفاية وأحكام تعينها وحدود المسؤولية عنها لدى الخاصة والعامة، من خلال مؤسسات التربية والتعليم والإعلام والدعوة إلى الله. ثالثا: لفت نظر الحكومات العربية والإسلامية إلى ضرورة تخصيص جهاز لرصد واقع الفروض الكفائية وتنظيمها وإدارتها، وتوجيه الناس إلى القيام بالفروض الكفائية التي لم تتحقق فيها الكفاية. رابعا: إيلاء اهتمام أكبر بالتوجيه المهني في المدارس ورصد قدر أكبر من الموارد المادية والبشرية لتفعليه وتطوير مقاييسه؛ مع ربطه بالفروض الكفائية؛ لينتشر الوعي لدى الناشئة بأهمية الفرض الكفائي وضرورة التخطيط منذ الصغر للتصدي لأحد تلك الفروض وخدمة الأمة من خلاله