رواية السيرة الغيرية بين الواقع والمتخيل : رواية " جبل قاف " لعبد الإلاه بنعرفة أنموذجا

تسعى هذه الدراسة الموسومة بـ: رواية السيرة الغيرية بين الواقع والمتخيل: رواية " جبل قاف" لعبد الإله بن عرفة أنموذجا أن تقف عند مسألتين نقديتين مهمتين: فأما الأولى فتتعلق بالكيفية التي تتحول بها السيرة الغيرية من نص وقائعي تاريخي إلى نص فني . وأما الأخرى فتتعلق بمسألة التشكيل الفني على اعتبار أن مفهوم التشكيل الفني هو الآلية أو الإجراء الذي يخرج السيرة من حيزها الموضوعي إلى حيزها الفني. ولقد وقع اختيار الدارسة على رواية جبل قاف للروائي عبد الإله بن عرفة، وهي رواية يقدم فيها الكاتب شخصية محيي الدين بن عربي من الولادة إلى الموت، ولعل المشكلة الحقيقية التي واجهت الدارسة انها ترتكز على شخصية صوفية تمثل الاتجاه الصوفي على اختلاف مرجعياته التاريخية والمعرفية والدينية والفلسفية والرمزية، مما يفرض على الدارسة أن تستدعي كل الشروط التاريخية والمعرفية لمحاولة سبر أعماق النص على المستويين اللغوي والفني، كما أن المشكلة الأخرى التي واجهت الدارسة هي تلك المشكلة التي تتعلق بكاتب النص، فكاتب النص على وعي حقيقي باتجاهات التصوف وعلى دراية حقيقية بفلسفته ورموزه وتأويلها . وقد فرضت طبيعة البحث تقسيمه إلى مقدمة وتمهيد و أربعة فصول و خاتمة؛ أما التمهيد فقد جاء عن شخصية ابن عربي وتأثيرها المعرفي في الشرق والغرب كما تضمن فضاء النص، وأما الفصل الأول: فجعلته الدراسة تحت عنوان: السيرة الغيرية ومشكلات المفهوم، ويشتمل على مفهوم السيرة الغيرية، ورواية السيرة بين الواقع والمتخيل، وإشكالية السيرة والرواية التاريخية. وقد حاولت الدراسة في هذا الفصل أن تسعى إلى حل إشكالية المفهوم، فذهبت إلى أن هذا النص، وإن كان على مستوى المضمون يمثل سيرة غيرية واقعية تاريخية، غير أن طريقة التشكيل الفني على مستوى الغاية والأداء والأسلوب، أخرجها من كونها سيرة إلى كونها عملا روائيا متخيلا. وقد حاول الفصلان الثاني والثالث أن ينهضا بهذه المهمة. إذ يتعلق الفصل الثاني بالتناص، والفصل الثالث بشعرية السرد، فسعى الثاني إلى النظر إلى التناص على أنه البنية التي تفصل بين الواقع والمتخيل، ويدفع بالقارئ إلى إنتاج دلالات غير تاريخية وغير لغوية، بل دلالات فنية أسهمت على نحو فعلي في تأصيل السيرة الغيرية باعتبارها عملا روائيا خالصا، تعلق مع غيره من النصوص، على مستوى البنية التي جعلت النص نصا لا تاريخيا، على الرغم من أنه استند على التاريخ. وتأصل هذا المفهوم أكثر عبر الشعرية، باعتبارها خرقا للغة العادية المباشرة، فهي لغة مكثفة ناتجة عن سلوك اللغة وفعلها داخل الرواية، فأسهمت في تحويل الوقائع إلى فن، وجعلت اللغة تدور في فلك التخييل والتأويل، وتدفع القارئ إلى عمليات إنتاج على مستوى البنية والدلالة. تختلف عما يقدمه التاريخ . وأما الفصل الرابع، بنية النص السردي فجاء ليكشف عن الفروق الأسلوبية والبنائية بين السيرة الغيرية والسيرة حينما تتحول إلى نص فني، فبين آليات التحول واستراتجيات البناء على مستوى اللغة والشخوص والأمكنة والأحداث، فبنية السرد نفسها تحولت إلى حالة رمزية، أخرجت الكاتب من دائرة المؤرخ وجعلته روائيا. وتضمنت الخاتمة النتائج التي توصلت إليها الدراسة وأهمها: أولا : فصلت الدراسة بين السيرة كوجود وتاريخ، والسيرة كوجود فني، وبين السيرة كوقائع والسيرة باعتبارها عملا منهجيا . ثانيا : ثمة تحولات في بنية السيرة، فقد تحولت سيرة ابن عربي إلى عمل روائي خالص على مستوى بنية السرد . ثالثا : اللغة والمستوى الفني دفعت بالنص إلى أفق التأويل والتخييل على مستوى عمليات التلقي . رابعا : اهتم الكاتب بشعرية السرد، فحفل النص بغير أسلوب بلاغي ، فانحرفت اللغة عن معانيها المباشرة ، كما وظف اللغة السردية التراثية واللغة الصوفية والأجناس المتخللة مما ضمن النص دلالات فنية . خامسا : نوّع الكاتب بالبنية السردية للنص ، وفي تقنياته السردية، وتعدد الأصوات والرموز الصوفية وكشفت الدراسة أن النص الروائي المدروس قد أفاد من الأساليب الصوفية ومزجها بأساليب الكتابة الجديدة.